أقام النبي عليه الصلاة والسلام في بيت أبي أيوب نحواً من سبعة أشهر, حتى تم بناء مسجده في الأرض الخلاء التي بركت فيها الناقة, فانتقل إلى الحجرات التي أقيمت حول المسجد له ولأزواجه, فغدا جاراً لأبي أيوب, أكرم بهما من متجاورين.
حدث ابن عباس قال: خرج أبو بكر رضي الله عنه بالهاجرة إلى المسجد فرآه عمر رضي الله عنه, فقال: يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة?! قال: ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع. فقال عمر: وأنا والله ما أخرجني غير ذلك.
فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أخرجكما هذه الساعة?!
قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجد في بطوننا من شدة الجوع.
قال عليه الصلاة والسلام: وأنا - والذي نفسي بيده - ما أخرجني غير ذلك. قوما معي, فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله كل يوم طعاماً, فإذا أبطأ عنه ولم يأت إليه في حينه أطعمه لأهله.
فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب, وقالت: مرحباً بنبي الله وبمن معه, فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أين أبو أيوب? فسمع أبو أيوب صوت النبي - وكان يعمل في نخل قريب له - فأقبل يسرع, وهو يقول: مرحباً برسول الله وبمن معه, ثم أتبع قائلاً: يا نبي الله ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه, فقال عليه الصلاة والسلام: صدقت, ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عِذقاً فيه تمر ورطب وبسر (ما لم يكتمل نضجه).
فقال عليه الصلاة والسلام: ما أردت أن تقطع هذا, ألا جئت لنا من تمره? قال: يا رسول الله أحببت أن تأكل من تمره ورطبه وبسره, ولأذبحن لك أيضاً.
قال: إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن.
فأخذ ابو أيوب جدياً فذبحه, ثم قال لامرأته: اعجني واخبزي لنا, وأنت أعلم بالخبز, ثم اخذ الجدي فطبخه, وعمد إلى نصفه الثاني فشواه, فلما نضج الطعام ووضع بين يدي النبي وصاحبيه, أخذ الرسول قطعة من الجدي ووضعها في رغيف, وقال: يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة, فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام.
فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: خبز, ولحم, وتمر, وبسر, ورطب!!!
ودمعت عيناه ثم قال: والذي نفسي بيده إن هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة, فإذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فيه فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا فأفضل.
ثم نهض الرسول صلوات الله عليه, وقال لأبي أيوب: ائتنا غداً.
وكان عليه الصلاة والسلام لا يصنع له أحد معروفاً إلا أحب أن يجازيه عليه; لكن أبا أيوب لم يسمع ذلك. فقال له عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه غداً يا أبا أيوب.
فقال أبو أيوب: سمعاً وطاعة لرسول الله.
فلما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه وليدة (جارية صغيرة) كانت تخدمه, وقال له: استوص بها خيراً - يا أبا أيوب - فإنا لم نر منها إلا خيراً ما دامت عندنا